الألوان الخمسة الأساسية في القرآن العظيم
- almirabi
- Dec 15, 2015
- 3 min read
كل الألوان التي نتمتع برؤيتها على وجه الأرض، تتكون من خمسة ألوان رئيسة، وليست ثلاثة، كما يزعم خبراءُ الألوان والفنانون التشكيليون، ولا سبعة كما يرى علماء الطبيعة.. وهكذا أحسَبُ أنّ أحداً لم يسبق إلى هذا المبحث من قبل.
اللهُ- جلّ شأنه- سمى الألوانَ الخمسة الأساسية- التي تنتج عنها جميع الألوان في الكون- بأسماءٍ محددةٍ خاصةٍ بها، ولم يُسَمِّها بأسماءٍ مشتقة من أسماء كائناتٍ أخرى إطلاقاً، وهي: "الأبيض، والأحمر، والأسود، والأزرق، والأصفر"، قال تعالى: "وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ". وقال- عز وجل-: "وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًاً". وقال- تعالى-: "إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء".. في هذه الآيات البينات ذكر الله- جل شأنه- خمسة ألوان بأسماءٍ صريحةٍ خاصةٍ معلومةٍ من دون اشتقاق من أسماء مخلوقات أخرى، وهي أساسٌ لكل ما ينتج عنها من ألوان مختلفة شتى، وهي التي أشار إليها اللهُ- تعالى- في القرآن العظيم، بقوله: "وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأنعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ". وفي قوله- تعالى-: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا". دون أن يطلق على أيًّ من هذه الألوان المختلفة اسماً قط؛ لأنها ليست أساسية ذات أسماء محددة، بل هي ناتجة عن مزج لونين أو أكثر من الألوان الخمسة الأساسية، ولهذا ترك اللهُ لنا تسميتها كيفما نشاء، فسَمّينا- مثلاً- اللون الناتج عن مزج الأبيض مع الأسود بالرمادي، وهو مشتقٌ من اسم الرماد، وليس اسمَ لونٍ بذاته كالتي جاءت في القرآن المجيد، كما نسمي اللون الناتج عن مزج الأصفر مع الأحمر: "برتقالي" وهو مشتق من اسم البرتقال، وقس على ذلك بقية الألوان التي ابتدعنا لها أسماءً، مثل: "البني" من لون البن، و"الرصاصي" من لون الرصاص، وكذا: "الذهبي والليموني والفستقي والعنابي والخربزي والعشبي والنحاسي والسكري"، وما سواها من الألوان غير المذكورة في القرآن الكريم.
إذن، نلاحظ أن أسماءَ الألوان الأساسية في القرآن العظيم، لا تُنسب إلى أيٍّ من أسماءِ المخلوقات، بل هي ألوانٌ قائمة بذاتها وأسمائها، ولا يمكن أن يكون أيٌّ منها ناتج عن خلط لونين أو أكثر- على الإطلاق- بل جعل اللهُ- تعالى- كُلَّ لونٍ منها متفرد بذاته، فاللونُ الأبيضُ- مثلاً- لونٌ غيرُ ناتجٍ عن مزج لونين، أو أي ألوانٍ أخرى، وكذا الأحمرُ والأسودُ والأصفرُ والأزرق.
في حين نجد أن لهذه الألوان الخمسة، درجات لونية لا حصر لها، بفضل مزجها مع بعضها بعضاً، فضلاً عن أهمية اللونين الأبيض والأسود في صنع درجات ملايين الألوان، أو لنقل غيرَ المحدودة، وهنا أخالفُ فناني التصوير التشكيلي الذين يُنكِرون اللونين الأبيض والأسود كلونين أساسين، ويسمونهما لونين محايدَين، وهذا خطأ صريح.
أما اللون الأخضر، فهو لونٌ ثانوي مشتق، أي: ناتجُ مزج لونين اثنين، هما: "الأزرق، والأصفر"، ولذلك نلاحظ أن كلمة "أخضر" وردت في القرآن العظيم كَصِفةٍ للحي الرطب، قال- عز وجل-: "الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأخضَرِ نَاراً"، أي: الشجر الرطب الحي، لأنه إذا فقد رطوبته، ويبس؛ فلا يمكن أن نسميه أخضراً. قال- تعالى-: "وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَات"، فالله- تبارك وتعالى- قارنَ هنا الأخضر باليابس، ولم يقارن الأخضر بلون آخر، ما يعني أنهما صفتان، وليسا أسماء ألوان، وكذا النفسُ الحية التي لم تَمُتْ، نسميها: "خضراء" أي أن فيها حياة، ولا نقصد أن لونها أخضر، ولذلك نلاحظ أن معظم الآيات البينات تذكر "الأخضر" كأحدِ المعاني الجميلة، لوصف عنفوان الحياة. قال- تعالى-: "وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ"، وقال- جل شأنه-: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ".
وللون الأخضر دلالات خاصة في الإسلام، تجعله مقدماً على باقي الألوان الثانوية، وهو اللون المشتق الوحيد الذي ذكره اللهُ- سبحانه وتعالى- في القرآن المجيد، واصفاً به نعيم أهل الجنة، قال- تعالى-: "يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا". وقال- عز من قائل-: "مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ". واللون الأخضر، هو اللون المفضل عند النبي صلى الله عليه و سلم.
كما أن ثمة تأملاً بديعاً في الآية الكريمة، في قوله- تعالى-: "فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ". أي: تذوب، فتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها، فتأتي على نحوٍ من بديع الألوان والأضواء والظلال، المتناهية في البهاء، وهو ما لم يُسَمِّ اللهُ- جلّ شأنه- أي منها باسم لون بذاته، بل وصفها وصفاً كُلياً يَحتمِل طيفاً من الألوان الثانوية غير المحدودة، إلى جوار الألوان الأساسية، علماً بأنه وصفٌ لهولِ يوم القيامة.
الرحمن 76- 78 / الكهف 31 / الإنسان 21 /
コメント